04 - 07 - 2025

إعلام .. للبيع! 

إعلام .. للبيع! 

قد تظن لأول وهلة أنني أقصد من وراء كلمات العنوان، أن ‏هناك مؤسسات إعلامية بعينها مطروحة للبيع، أو لدخول ‏مستثمرين جدد، بما أن الإعلام أصبح وسيلة للاستثمار السريع ‏والثراء المضمون، ولاسيما في السنوات الأخيرة..‏

لكن لعلك تشاركني حزني على ما آل إليه حال بعض الإعلاميين ‏الذين سعوا ـ بكل جهدهم ـ لبيع أنفسهم بثمن ليس بخسا، بل ‏بعقود عرفت قيمة الملايين من الجنيهات، يبغون من ورائها ‏إفساد عقول أجيال تلو أجيال، أو توجيه بوصلة الضمير المهنيّ ‏باتجاه من يدفعون لقمة عيشهم، بهدف التأثير لتبني موقف معين ‏ضد أو مع الدولة. ‏

لا أدعوك هنا عزيزي القارئ لمعرفة أسرار أي من الشخصيات ‏التي تفرض نفسها على الساحة الآن، أو يفرضها آخرون، ولا ‏أسعى لنشر خبايا عن أشخاص قد تلوك سيرتها الألسنة دون ‏أدلة أو براهين لمجرد اختلافهم عليهم، بل أدعوك كقارئ إلى أن ‏تعي جيدا لمن تقرأ ولمن تنصت، ولمن تشاهد، وتضع كل ما ‏تسمعه أو تشاهده أو تقرأه أمام عقلك، بل استفتِ قلبك إن شئت ‏وقل: هل تستقيم تلك المعلومات المتدفقة إلى ساحة عقلي بسهولة ‏ويسر مع بعضها؟، وماذا وراءها؟، وما حقيقتها؟

إذن ما الذي يدعوني لكتابة هذه الكلمات التي يملؤها الحزن والألم ‏على صناعة باتت في صراعٍ داخليّ فيما بينها، وصراع آخر مع ‏أركان الدولة للاستحواذ على قلب وعقل الجمهور المستعد، في ‏أغلب الأحيان، للتصفيق لمن يهاجمها بشدة؟، إنني أدعو من منبر ‏هذه الجريدة المحترمة لذاتها ولقرائها إلى صناعة إعلام صادق ‏قادر على التصدي للأزمات ولتقديم حلول لها دون تجريح، أو ‏الانتقاص من قدر أو قيمة أي مسئول، ولعل ذاكرتي تتداعى ‏أمامها صورة الصحفي المحترم الراحل مجدي مهنا، الذي لم ‏أشرف بلقائه يوما، في تقديمه للممنوع بشئ من الاحترام والوقار ‏والنقد الهادف القابل للرد، الذي يستهدف بناء مجتمع لا بهدمه ‏وزعزعته والمساهمة بدرع أو رمح في حرب هدفها وغايتها هدم ‏هذا البناء القائم مثلما هو قائم على الساحة الآن.‏

قد تصبح أداة طيعة في يد من سوّلت له نفسه أن يشارك جهة ما، ‏أو أشخاص بعينهم دون أن تدري، أو ربما تدري، وينتهي بك ‏المطاف إلى أن تكون معول الهدم الذي هدم أركان المعبد.‏

ليس معنى كلامي أنني أدعو الإعلاميين أو القائمين على صناعة ‏الإعلام، للتهليل للقيادة السياسية للدولة، أو للحكومة على ما تقوم ‏به من مشروعات، ولا أدعوهم في الوقت نفسه للتقليل من شأن ‏كل ذلك، بل كل ما أتمناه أن أجد في يوم آت الإعلام الواعي ‏المتحضر المتفهم لطبيعة الأوضاع والصراعات الدولية ‏والإقليمية.‏

لقد تغيّرت الخريطة الإعلامية بشكل واضح، بعد الخامس ‏والعشرين من يناير 2011، وتغيرت للمرة الثانية بعد ثورة 30 ‏يونيو، وتكاد تشم رائحة تخوين تنتشر فحواها على الساحة، ‏وكأنها عدوى أصابت نفر من أولئك الذين ينصبون أنفسهم ‏أوصياء على الدولة والإعلاميين، وكأن كل فرقة تحارب ضد ‏الأخرى بقلم أو بميكروفون بدلا من آلات الحرب التقليدية.‏

الأمر برمته يحتاج إلى إعادة صياغة بين كل الفرق المتناحرة في ‏ضجيج ليس مسموعا، وليكن شاهدا عليهم جميعا ميثاق عمل ‏موحد تدور فحواه حول أن من يرى شيئا نافعا يشهد به، أو يرى ‏شيئا ناقصا فليدلي بدلوه بكثير من الحكمة والتعقل والنقد القائم ‏على الاحترام، هذا المشروع مثلا رائع ولكن ينقصه كذا وكذا.‏

أذكر أنه في إحدى السنوات الماضية، كتب أحد كتاب الأعمدة في ‏صحيفة " تليغراف" الهولندية مقالا رائعا، صحبه بمجموعة من ‏الاستدلالات عن إهدار مال عام في إحدى وزارات حكومة "يان ‏بيتر بالكننده"، والحقيقة أن كاتب المقال لم يمس الوزير المعني ‏بالاتهام بأي شئ من التجريح أو الإهانة المتعمدة، بل طلب بشكل ‏فائق الاحترام بضرورة إصدار بيان عن تلك الأموال المهدرة وفي ‏أي شئ أهدرت، وبالفعل حققت الحكومة في الأمر ووجدت أن ‏كاتب المقال صدق فيما ادعى، وقامت على فورها بتقديم ‏استقالتها، وأسندت الملكة المسئولية للحكومة ذاتها مرة أخرى ‏بدون هذا الوزير، الذي تم تقديمه للمحاكمة.‏

نحتاج لمن يرشد عن الخطأ ويؤدي مهمته كإعلامي ينفذ ما ‏ندرسه لطلابنا في الجامعات عن دور الإعلام في التثقيف ‏والمساهمة في بناء المجتمع، ولا نكون الأداة التي سيتولى بها ‏أعداء الوطن هدم المجتمع.‏

الأمر هيّن ولا يحتاج لأكثر من أن تكون طوع قلمك وضميرك ‏فقط.‏
 ---------------------

بقلم: إسلام مصطفى

مقالات اخرى للكاتب

إعلام .. للبيع!